فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وَبَشِّرِ المخبتين} المخبِت: المتواضع الخاشع من المؤمنين.
والخَبْت ما انخفض من الأرض؛ أي بشرهم بالثواب الجزيل.
قال عمرو بن أوس: المخبِتون الذين لا يظلمون، وإذا ظُلموا لم يَنْتَصِروا.
وقال مجاهد فيما روى عنه سفيان عن ابن أبي نجيح: المخبتون المطمئنون بأمر الله عز وجل.
{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي خافت وحَذِرت مخالفته.
فوصفهم بالخوف والوَجَل عند ذكره، وذلك لقوّة يقينهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه، ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها.
وروي أن هذه الآية قوله: {وَبَشِّرِ المخبتين} نزلت في أبي بكر وعمر وعليّ رضوان الله عليهم.
وقرأ الجمهور {الصلاةِ} بالخفض على الإضافة، وقرأ أبو عمرو {الصلاةَ} بالنصب على توهّم النون، وأن حذفها للتخفيف لطول الاسم.
وأنشد سيبويه:
الحافِظُو عَوْرَة العَشِيرة

الثانية: هذه الآية نظير قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، وقوله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} [الزمر: 23].
هذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته؛ لا كما يفعله جهال العوامّ والمبتدِعة الطُّغام من الزعيق والزئير، ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير؛ فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وَجْد وخشوع: إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى والخوفِ منه والتعظيم لجلاله؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهمَ عن الله والبكاءَ خوفًا من الله.
وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه، ومن لم يكن كذلك فليس على هَدْيهم ولا على طريقتهم؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَا عَرَفُواْ مِنَ الحق يقولونَ رَبَّنَا آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين} [المائدة: 83].
فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم؛ فمن كان مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنّ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالًا؛ والجنون فنون.
روى الصحيح: عن أنس بن مالك «أن الناس سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوْه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعِد المنبر فقال: سلوني لا تسألوني عن شيء إلا بيّنته لكم ما دمت في مقامي هذا. فلما سمع ذلك القومُ أَرَمُّوا ورِهبوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يمينًا وشِمالًا فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي» وذكر الحديث.
وقد مضى القول في هذه المسألة بأشبعَ من هذا في سورة الأنفال والحمد لله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا}.
والمنسك مفعل من نسك واحتمل أن يكون موضعًا للنسك، أي مكان نسك، واحتمل أن يكون مصدرًا واحتمل أن يراد به مكان العبادة مطلقًا أو العبادة، واحتمل أن يراد نسك خاص أو نسكًا خاصًا وهو موضع ذبح أو ذبح، وحمله الزمخشري على الذبح، يقال: شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على المناسك انتهى.
وقياس بناء مفعل مما مضارعه يفعل يضم العين مفعل بفتحها في المصدر والزمان والمكان، وبالفتح قرأ الجمهور.
وقرأ بكسرها الأخوان وابن سعدان وأبو حاتم عن أبي عمرو ويونس ومحبوب وعبد الوارث إلا القصبي عنه.
قال ابن عطية: والكسر في هذا من الشاذ ولا يسوغ فيه القياس، ويشبه أن يكون الكسائي سمعه من العرب.
وقال الأزهري: منسك ومنسك لغتان.
وقال مجاهد: المنسك الذبح، وإراقة الدماء يقال: نسك إذا ذبح، والذبيحة نسيكة وجمعها نسك.
وقال الفرّاء: المنسك في كلام العرب المعتاد في خير وبر.
وقال ابن عرفة {منسكًا} أي مذهبًا من طاعة الله، يقال: نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم.
وقال الفراء {منسكًا} عيدًا وقال قتادة: حجًا.
{ليذكروا اسم الله} معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله، وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك، ثم خرج إلى الحاضرين فقال: {فإلهكم إله واحد فله أسلموا} أي انقادوا، وكما أن الإله واحد يجب أن يخلص له في الذبيحة ولا يشرك فيها لغيره، وتقدم شرح الإخبات.
وقال عمرو بن أوس: المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وقرأ الجمهور {والمقيمي الصلاة} بالخفض على الإضافة وحذفت النون لأجلها.
وقرأ ابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو في رواية {الصلاة} بالنصب وحذفت النون لأجلها.
وقرأ ابن مسعود والأعمش والمقيمين بالنون {الصلاة} بالنصب.
وقرأ الضحاك: والمقيم الصلاة، وناسب تبشير من اتصف بالإخبات هنا لأن أفعال الحج من نزع الثياب والتجرد من المخيط وكشف الرأس والتردد في تلك المواضع الغبرة المحجرة، والتلبس بأفعال شاقة لا يعلم معناها إلاّ الله تعالى مؤذن بالاستسلام المحض والتواضع المفرط حيث يخرج الإنسان عن مألوفه إلى أفعال غريبة، ولذلك وصفهم بالإخبات والوجل إذا ذكر الله تعالى والصبر على ما أصابهم من المشاق وإقامة الصلوات في مواضع لا يقيمها إلاّ المؤمنون المصطفون والإنفاق مما رزقهم ومنها الهدايا التي يغالون فيها. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} أي لكلِّ أهلِ دينٍ {جَعَلْنَا مَنسَكًا} أي مُتعبَّدًا وقُربانًا يتقرَّبون به إلى الله عز وجل. وقرئ بكسر السِّين أي موضعُ نُسُكٍ. وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الفعل للتَّخصيص أي لكلِّ أُمَّةٍ من الأُممِ جعلنا منسكًا لا لبعضٍ دونَ بعضٍ. {لّيَذْكُرُواْ اسم الله} خاصَّةً دون غيرِه ويجعلُوا نسيكتهم لوجهه الكريمِ عُلِّل الجعلُ به تنبيهًا على أنَّ المقصودَ الأصليَّ من المناسكِ تذكُّرُ المعبودِ. {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} عند ذبحِها، وفيه تنبيهٌ على أنَّ القُربان يجبُ أنْ يكونَ من الأنعام. والخطابُ في قوله تعالى: {فإلهكم إله واحد} للكلِّ تغليبًا. والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلَها فإنَّ جعلَه تعالى لكلِّ أُمَّةٍ من الأُمم مَنْسكًا ممَا يدلُّ على وحدانيَّته تعالى. وإنَّما قيل إله واحدٌ ولم يُقل واحدٌ لما أنَّ المرادَ بيانُ أنَّه تعالى واحدُ في ذاتهِ كما أنَّه واحدٌ في إلهيته للكلِّ. والفاءُ في قوله تعالى: {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} لترتيب ما بعدها من الأمر بالإسلام على وحدانيَّتهِ تعالى، وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الأمر للقصر، أي فإذا كان إلهكم إلها واحدًا فأخلصوا له التَّقرُّبَ أو الذِّكرَ واجعلُوه لوجههِ خاصَّةً ولا تشوبُوه بالشِّرك {وَبَشّرِ المخبتين} تجريدٌ للخطاب إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي المُتواضعينَ أو المُخلِصين فإنَّ الإخباتَ من الوظائف الخاصَّةِ بهم.
{الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} منه تعالى لإشراق أشعةِ جلاله عليها {والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ} من مشاقِّ التَّكاليفِ ومُؤناتِ النَّوائبِ. {والمقيمى الصلاة} في أوقاتها. وقرئ {بنصب الصَّلاةِ} على تقدير النُّونِ. وقرئ {والمقيمينَ الصَّلاةَ} على الأصلِ. {وَمِمَا رزقناهم يُنفِقُونَ} في وجوه الخيراتِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا}.
عطف على قوله سبحانه: {لَكُمْ فِيهَا منافع} أو على قوله تعالى: {وَمَن يُعَظّمْ} [الحج: 32] الخ وما في البين اعتراض على ما قيل، وكأني بك تختار الأول؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام عليه عند نظير الآية، والمنسك موضع النسك إذا كان اسم مكان أو النسك إذا كان مصدرًا، وفسره مجاهد هنا بالذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه تعالى فجعله مصدرًا وحمل النسك على عبادة خاصة وهو أحد استعمالاته وإن كان في الأصل بمعنى العبادة مطلقًا وشاع في أعمال الحج.
وقال الفراء: المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير وبر وفسره هنا بالعيد، وقال قتادة: هو الحج.
وقال ابن عرفة {مَنسَكًا} أي مذهبًا من طاعته تعالى.
واختار الزمخشري ما روي عن مجاهد وهو الأوفق أي شرع لكل أهل دين أن يذبحوا له تعالى على وجه التقرب لا لبعض منهم، فتقديم الجار والمجرور على الفعل للتخصيص. وقرأ الأخوان وابن سعدان وأبو حاتم عن أبي عمرو، ويونس، ومحبوب، وعبد الوارث {مَنسَكًا} بكسر السين، قال ابن عطية وهو في هذا شاذ ولا يجوز في القياس ويشبه أن يكون الكسائي سمعه من العرب، قال الأزهري: الفتح والكسر فيه لغتان مسموعتان {لّيَذْكُرُواْ اسم الله} خاصة دون غيره تعالى كما يفهمه السياق والسياق، وفي تعليل الجعل بذلك فقط تنبيه على أن المقصود الأهم من شرعية النسك ذكره عز وجل {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} عند ذبحها، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون من الأنعام فلا يجوز بالخيل ونحوها.
والفاء في قوله تعالى: {فإلهكم إله واحد} قيل للتعليل وما بعدها علة لتخصيص اسم الله تعالى بالذكر، والفاء في قوله سبحانه: {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} لترتيب ما بعدها من الأمر بالإسلام على وحدانيته عز وجل، وقيل: الفاء الأولى لترتيب ما بعدها على ما قبلها أيضًا فءن جعله تعالى لكل أمة من الأمم منسكًا يدل على وحدانيته جل وعلا، ولا يخفى ما في وجه الدلالة من الخفاء، وتكلف بعضهم في بيانه بأن شرع المنسك لكل أمة ليذكروا اسم الله تعالى يقتضي أن يكون سبحانه إلهًا لهم لئلا يلزم السفه ويلزم من كونه تعالى إلهًا لهم أن يكون عز وجل واحدًا لأنه لا يستحق الألوهية أصلًا من لم يتفرد بها فإن الشركة نقص وهو كما ترى، وفي الكشف لما كانت العلة لقوله سبحانه: {لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} ذكر اسمه تعالى على المناسك ومعلوم أن الذكر إنما يكون ذكرًا عند مواطأة القلب اللسان وذكر القلب إشعار بالتعظيم جاء قوله تعالى: {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} مسببًا عنه تسببًا حسنًا.
واعترض بقوله تعالى: {فإلهكم إله واحد} لأنه يؤكد الأمر بالإخلاص ويقوي السبب تقوية بالغة ويؤكد أيضًا كون الذكر هو المقصود من شرعية النسك انتهى، وهو يشعر بأن الفاء الأولى للاعتراض والفاء الثانية للترتيب.
ولعل ما ذكر أولًا أظهر، وأما ما قيل من أن الفاء الأولى للتعليل والمعلل محذوف والمعنى إنما اختلفت التكاليف باختلاف الأزمنة والأشخاص لاختلاف المصالح لا لتعدد الإله فإن إلهكم إله واحد فمما لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى الجليل كما لا يخفى، وإنما قيل: {إله واحد} ولم يقل واحد لما أن المراد بيان أنه تعالى واحد في ذاته كما أنه واحد في إلهيته؛ وتقديم الجار على الأمر للقصر، والمراد اخلصوا له تعالى الذكر خاصة واجعلوه لوجهه سالمًا خالصًا لا تشوبوه بإشراك {وَبَشّرِ المخبتين} خطاب له صلى الله عليه وسلم، والمخبتون المطمئنون كما روي عن مجاهد أو المتواضعون كما روي عن الضحاك.
وقال عمرو بن أوس: هم الذين لا يظلمون الناس وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وقال سفيان: هم الراضون بقضاء الله تعالى.
وقال الكلبي: هم المجتهدون في العبادة، وهو من الإخبات وأصله كما قال الراغب: نزول الخبت وهو المطمئن من الأرض، ولا يخفى حسن موقع ذلك هنا من حيث أن نزول الخبت مناسب للحاج.
{الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ} أي خافت {قُلُوبِهِمْ} منه عز وجل لإشراق أشعة الجلال عليها {والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ} من مشاق التكاليف ومؤنات النوائب كالأمراض والمحن والغربة عن الأوطان ولا يخفى حسن موقع ذلك هنا أيضًا، والظاهر أن الصبر على المكاره مطلقًا ممدوح.
وقال الرازي: يجب الصبر على ما كان من قبل الله تعالى، وأما على ما يكون من قبل الظلمة فغير واجب بل يجب دفعه على من يمكنه ذلك ولو بالقتال انتهى وفيه نظر {والمقيمى الصلاة} في أوقاتها، ولعل ذكر ذلك هنا لأن السفر مظنة التقصير في إقامة الصلاة.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو عمرو في رواية {الصلاة} بالنصب على المفعولية لمقيمي وحذفت النون منه تخفيفًا كما في بيت الكتاب:
الحافظو عورة العشيرة لا ** تأتيهم من ورائهم نطف

بنصب عورة ونظير ذلك قوله:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم ** هم القوم كل القوم يا أم مالك

وقوله:
ابني كليب أن عمي اللذا ** قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وقرأ ابن مسعود، والأعمش {والمقيمين الصلاة} بإثبات النون ونصب الصلاة على الأصل، وقرأ الضحاك {إِلَى الصلاة} بالإفراد والإضافة {وَمِمَا رزقناهم يُنفِقُونَ} في وجوه الخير ومن ذلك إهداء الهدايا التي يغالون فيها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الانعام فإلهكم إله واحد فَلَهُ أَسْلِمُواْ} عطف على جملة {ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33].
والأمة: أهل الدين الذين اشتركوا في اتباعه.
والمراد: أنّ المسلمين لهم منسك واحد وهو البيت العتيق كما تقدم.
والمقصود من هذا الرد على المشركين إذ جعلوا لأصنامهم مناسك تشابه مناسك الحج وجعلوا لها مواقيت ومذابح مثل الغَبْغَب مَنحر العُزّى، فذكرهم الله تعالى بأنه ما جعل لكل أمّة إلاّ منسكًا واحدًا للقربان إلى الله تعالى الذي رزق الناس الأنعام التي يتقربون إليه منها فلا يحق أن يُجعل لغير الله منسك لأنّ ما لا يخلق الأنعام المقرّب بها ولا يرزقها الناسَ لا يسْتحق أن يُجعل له منسكٌ لِقربانها فلا تتعدد المناسك.
فالتنكير في قوله: {منسكًا} للإفراد، أي واحدًا لا متعددًا، ومحلّ الفائدة هو إسناد الجعل إلى ضمير الجلالة.
وقد دل على ذلك قوله: {ليذكروا اسم الله} وأدلّ عليه التفريع بقوله: {فإلهكم إله واحد}.
والكلام يفيد الاقتداء ببقيّة الأمم أهل الأديان الحق.
و{على} يجوز أن تكون للاستعلاء المجازي متعلقة بـ {يذكروا اسم الله} مع تقدير مضاف بعدَ {على} تقديره: إهداء ما رزقهم، أي عند إهداء ما رزقهم، يعني ونحرها أو ذبحها.